مقدمة كتاب|القَلق.. التاريخ الأدبي والثقافي

غلاف الكتاب

تاريخ القلق هو رواية لقصة طبيعية من خيالنا الذي استولى عليه سؤال: “ماذا لو..؟”، وتصورات لمشاهد متدفقة ومذهلة لا تنتهي، ولا تعرف التوقف.

فرانسيس أوجورمان، أستاذ في كلية اللغة الإنجليزية في جامعة ليدز، بالمملكة المتحدة، له عشرون كتابًا، معظمها في الأدب الإنجليزي، وله أيضًا العديد من المقالات في الأدب، والصحة العقلية، والموسيقى.

222

قدَّم في كتابه (القَلَق: التاريخ الأدبي والثقافي) (2015) نهجًا لتأمُّل الحياة العقلية وآلامها المألوفة، وظهور الفكرة المعاصرة عن القلق في العصر الفيكتوري، وترسيخها بعد الحرب العالمية الأولى، كسِمة من سمات الحداثة. وأوضحَ أنَّ عددًا من الكُتاب الذين برزوا فيما بين الحربين العالميتين اعتبروا القلق هو “مرض العصر”، وتناولوا بالدراسة أنواعَ المخاوف اليومية غير المَرضية للقلق، والتي عادةً ما تتعلق بالمستقبل المجهول. ودلَّل على أنَّ القلق رفيق طبيعي في العالم الذي نعيش فيه ونراه عن طريق العقل، مع الاعتقاد بأنَّ لنا الحقَّ في الاختيار، واكتشف كيف صاغ العالم الحديث مخاوف الإنسان اليومية وشكَّلها.

مقتطفات من المقدمة وإحدى المراجعات.

إنها الرابعة فجرًا..!

الشارع خالٍ تمامًا، ظلام حالك يلف الغرفةَ، وليس ثمة صوت يُسمع، إلا صوت أنفاس هادئة تنبعث من زوجتي، وقططها الثلاث، وجميعهم يغطون في نوم عميق! لا شيء سوى الظلام، وسكون تام، وأقرب منزل إلينا في وسط المدينة يقبع في جوف الليل بصمت كصمت الموتى. ولكن على العكس مما حولي، في رأسي ضجيج مهتاج، وأصوات من الهواجس المضطربة، هناك: ضجيج، وضربات عنيفة متتالية.

أنا مستيقظٌ تمامًا، هذا النوع من الاستيقاظ المحتمل في منتصف الليل، حين لا شيء يماثله، عندما تنهال الأفكار واضحة وملحة، وتثير القلق. لكنني لست مريضًا، ولا أهذي، ولستُ أعاني من أية حالة نفسية تستدعي وجود طبيب. أنا بخير تمامًا، بل وأستمد الإحساس بالأمان في حياتي ممَّن حولي، فكلُّ مَن يهمني أمرهم مستلقون بجواري بخير وسلام. هؤلاء مَن أحب.

إذًا ما الأمر؟ ما كل هذا الضجيج؟ لماذا أنا منزعج هكذا وأشعر بالقلق؟!

قال الروائي الإنجليزي في القرن التاسع عشر، أنتوني ترولوب، في «مزرعة أورلي»: “غالِبًا، ليس هناك مواساة للرجل من الضَيْم المتأَصّل إلا الشعور بأنه جَرِيح، وهي المواساة التي يمكن لعقله أنْ يحتضنها”. القلق حالة غريبة واكبت وجود الإنسان على الأرض. ويمكن تتبُّع تاريخ الكلمة من اشتقاقها، بدءًا من المعنى القديم لكلمة (خنق)، ومرورًا بمدلولها في عصر النهضة (المضايقة الجسدية)، إلى مفهومها الحديث (القلق المعتدل).

إنَّ المفهوم الحالي للقلق لم يظهر إلا في مطلع القرن التاسع عشر، مع نمو المدن الكبرى وإزدهار الصناعات الحديثة. ومنذ ذلك الحين، تسلل القلق إلى حياة سكان المدن المنهمكين بالأعمال، والذين يستخدمون أدمغتهم أكثر من اللازم. القلق تجلى بلمحات من التألق في أعمال فرجينيا وولف، وتوماس ستيرنز إليوت، وويستن هيو أودن، وغيرهم ممن استشهد بهم مؤلف هذا الكتاب بسخاء أستاذ الأدب الفيكتوري.

إنَّ القلق يتطور كمصدر متميز من المعرفة عند حدود العقل خارج الإيمان، و”ولادة القلق” هي “لحظة تحول ثقافي من الإيمان المطلق في القوى القادرة إلى الفكر أو المنطق باعتباره السبيل لفهم الوجود الإنساني في العالم”.

هذا التركيز على العقل وأدواته التي تتكون من خيارات لا حصر لها، يعزز فكرة أنَّ علينا استخدام القوى الخاصة بنا للتمييز بين أفضل الخيارات؛ فلا عجب إذًا أنْ نقلق. في الواقع، يقع القلق فقط في عالم الاختيار والحيرة، وهو ممكن أكثر عندما يفكر البشر، في المقابل أنَّ لديهم القدرة، ناهيك عن الحق، ليختاروا لأنفسهم.

مع هذه المفارقة، يدل القلق أيضًا على حدود العقل. “يُظهِر القلق ما نعتقد به حقًّا، فعلى الرغم من كل إيماننا بالعقل، ورغبتنا في أنْ نفكر بأنفسنا كمخلوقاتٍ منطقية، إلا أننا حقًا نتشكل حسب ما نعتقد”. العقل القلِق يشبه العِمارة القوطية الكبيرة، يضم “ابتكارًا، وخيالًا، وتبايُنًا” والطقوس العقلية للإنسان القلِق “التكرار، والاستدارة، واختِلاجات الهوس” تُظهر مدى عمق الحاجة إلى استمرار هذه الطقوس.

ولكن القلق في حقيقته أكثر من مجرد شكل من الجنون مُفرط النَّشاط، ففي بعض الحالات، يمكنه أنْ يشحذ تصوراتنا. “إن الأشخاص القلقين مؤهلون في تحليل حالات العقل، واستجاباته الشعورية، وتمييز فروقه الدقيقة، وظله الفارق”.

وبدون مبالغة، قد يكون الإنسان القلق أكثر فهمًا على أرض الواقع من المتفائل المبتهج. وبعد كل شيء، يذكر الكاتب أنَّ الثقة تتسم بالمرح والابتهاج، وإن السعادة يمكن أنْ تكون مربكة، كستار من الدخان الكثيف يحول دون النظر في المشاكل كما هي في الواقع. وتُظهر الأبحاث أنَّ القلق قد يخلق منطقة عازلة ضد الأمراض العقلية الأكثر خطورة.

هذا الكتاب ليس الغرض منه المساعدة الذاتية. في الواقع، بل هو إشارات إلى هذه الحالة المعاصرة. ولا هو بالكتاب الروحي بأيِّ حال من الأحوال، وإنما -كما يوحي العنوان الفرعي للكتاب- يعرض التاريخ الأدبي والثقافي للقلق، فضلًا عن أنه كتاب شخصيٌّ، فقد اعترف المؤلف بأنه إنسان قلق. هذا الكتاب هو تمرين بشأن القلق. وهكذا، إن القلق في كثير من الأحيان متكرر، غير منتظم، ومتسامح قليلًا مع النفس.

وبطبيعة الحال، الانغماس الذاتي، كما يشير الكتاب، هو جوهر القلق. “القلق بصمت هو أنْ يشعر بنوع معين من التقارب مع النفس”. ومن المفارقات، أنَّ القلق قد يصبح في بعض الأحيان مصدرًا للراحة!

تاريخ القلق هو رواية لقصة طبيعية من خيالنا الذي استولى عليه سؤال: “ماذا لو..؟”، وتصورات لمشاهد متدفقة ومذهلة لا تنتهي، ولا تعرف التوقف.

اليوم السعودية:http://www.alyaum.com/article/4072932

استعراض كتاب| قوة الثنائي؛ كيف تحفز العلاقات عملية الإبداع

81nikuQq6EL__SL1500_

قوة الثنائي؛ كيف تحفز العلاقات عملية الإبداع (جوشوا وولف شانك)

عبْر مقدمة وستة فصول، تناول المؤلف في كتابه موضوع الإبداع ودور العلاقات الاجتماعية في تحفيزه؛ في محاولة لفهم الطبيعة الاجتماعية للإبداع. واستشهد بالعديد من الثنائيات الشهيرة، والتي حققت نجاحًا مدويًّا في الفنون، والتاريخ، والعلوم، والسياسة، والتكنولوجيا، وكذلك في الثقافة الشعبية والأدب؛ مثل: ستيف جوبز وستيف وزنياك من شركة آبل، بيير وماري كوري، ووارن بافيت وتشارلي مانجر، أو فينسنت وثيو فان جوخ، وجون لينون وبول مكارتني. ولقد استعان في دراسة هذه الظاهرة بنتائج علم الأعصاب، وعلم النفس الاجتماعيِّ، والتاريخ الثقافيِّ. فذكر أنَّ أسطورة “العبقري الأوحد” التي نمت شعبيتها في عصر التنوير، واستمرت لعدة قرون، كان هي نموذج تفسيرنا لعملية الإبداع، وأنَّ هذه الفكرة جميلة ومن السهل إدراكها، ولكن هذا النموذج ذاتي المنشأ يعتبر خيالًا وغير واقعي، ويحجب الصفات الاجتماعية للابتكار. وأنَّ البديل الأكثر واقعية لفهم هذه الفكرة هو الإبداع الثنائي بين شخصين غالبًا ما يكون أحدهما في الظل. واستشهد بقول عالم الاجتماع مايكل فاريل: “إنَّ الثنائي هو الوحدة الإبداعية الأولية”. وهذه الفكرة صحيحة، ولكنها علاقة معقدة، ومن الصعب إدراكها في الحياة اليومية. وتحدَّث عن طبيعة ثنائية التفرع المرنة في العملية الإبداعية. وذكر أنَّ الثنائي المبدع يعتمد على الاتصال الاجتماعي دائمًا، وأنَّ هناك أنواعًا كثيرة لتعزيز هذه العلاقات لقدح شرارة الإبداع، وأنه عند إضافة شخص أو أكثر إلى هذا المزيج، قد يصبح العمل أكثر استقرارًا، ولكن الإبداع يختنق!

وبعد دراسة لعدد كبير من الحالات الثنائية على مر التاريخ، خلص المؤلف إلى أنَّ هناك ستَّ مراحل، و سمات أساسية تميز العلاقة بين الثنائي المبدع؛ أولًا: الالتقاء، وهي مرحلة حدوث التعارف بين الثنائي واحتواء الاختلافات بينهما فيما يسمى “بالمغناطيس” أو قوة التجاذب بين الأشخاص ذوي الاهتمامات المشتركة. والثانية الاقتران، وهنا تعزز القواسم المشتركة بينهم، وتتطور الثقة بعد فترة معينة من الزمن، وفي هذه الأثناء يصوغ الثنائي المبدع لغتهما الخاصة، التي لايفهمها غيرهما، وتكون غامضة على الآخرين. والمرحلة الثالثة هي المماثلة، والتي يبدأ فيها تكوُّن العملية الإبداعية. تليها المسافة، حيث تتلاشى مسافات المكان والزمان بينهما، وتنضج الأفكار والخبرات. والخامسة، تسمى مرحلة اللعبة اللانهائية، وفي هذه المرحلة تظهر المنافسة بين الثنائي؛ الأمر الذي يمثل “مسمارًا في نعش” العلاقة بين الثنائي، ولكنها لحسن الحظ لا تخلو من جوانبَ إيجابية. وفي المرحلة السادسة والأخيرة، وهي الانقطاع، حين ينتهي دور كل منهما، ولكن يبقى الأثر.

*نشر هذا العنوان في القافلة الأسبوعية 2015/6/11.

استعراض كتاب|الشعر والعمارة

الشعر والعمارة

الشعر والعمارة (محمد عنفوف)

أمران اثنان أظهرَ فيهما العرب نبوغًا واقتدارًا؛ الشعر والعمارة. أمَّا الشعر فقد برز في الوعي العربي قبل عصر التدوين، وبلغ ذروة العمارة الفنية، من ستة عشر بحرًا شعريًّا. وأمَّا العمارة، وهي المصطلح الفني الذي يُقصد به فنَّ البناء، فقد بلغت شأنًا فريدًا منذ عصور الفتوحات الإسلامية.
بإسهاب فياض، وبلاغة لغوية واضحة، تناول المؤلف في هذا الكتاب الشعر والعمارة في الحضارة العربية، في فصول أربعة بعناوين: “عمارةُ الشعر”، و”شعرُ العمارة”، و”حين أمسى الشعر من جماليات الفن المعماري”، و”مطالعات في دواوين شعراء الحمراء الثلاثة”.
بدأ المؤلف كتابه بذكر أنَّ القصيدة العربية تصل إلى الوعي مكتملةً كالعمارة الفنية، وأوضح في تتبُّعه لتاريخ الشعر العربي أنَّ هناك أمريْن اثنيْن لم تُعرف بدايتهما على وجه اليقين: الأمر الأول هو المراحل التي مر بها النحو العربي حتى ظهور (الكتاب) للُّغوي الكبير (سيبويه)، والأمر الثاني أولية الشعر، الشبيه بعدم معرفتنا بالبدايات الأولى لنشأة النحو العربي، ومع ذلك فلم يُعرف قوم أكثر اهتمامًا بالشعر والأناقة اللغوية من العرب، وكانوا يفرحون ويحتفلون بالشاعر حين تتفتح قريحته، ويقول الشعر أول مرة؛ لأنه سيخلد ذكرهم ويُشيد بمجدهم، ويجري الشعر على كل لسان ولا يستعصي على أيِّ إنسان. وأضاف أنَّ الشعراء استعملوا الشعر وسيلة تعبيرية عن مشاعرهم وتصوير واقعهم في أغراض؛ كالتشبيب والمدح والوصف والرثاء، وصار أيضًا وسيلة تعليمية.
وذكر في دواعي نشوء المدن والعمائر أنَّ لفنِّ العمارة والفنون الهندسية حظًّا كبيرًا في كافة المدن العربية والإسلامية، وعلى رأسها المدينة المنورة؛ متتبعًا تخطيط المدن وإنشائها لأسباب دينية وحضارية أو إدارية مثل (فاس) أو عسكرية (كالقيروان)، وأنَّ منها ما أنشئ لأسباب صحية مثل الكوفة والبصرة– ويطلق عليهما البصرتان-؛ نزولًا على أمر الخليفة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) ليكون الموقعان مناسبيْن لما اعتاد عليه أفراد الجيش القادمين من الجزيرة العربية، وأنه تم في العصر الأموي إنشاء ما يزيد عن خمس وعشرين مدينة.
ويلاحَظ في فنِّ العمارة ارتباطه بعلم الهندسة والرياضيات، وأنَّ ظاهرة الحنين المعماري إحساس تجلى عند شعراء الأندلس من شدة الحنين إلى الوطن، وسرد مسهب لمن وصف قصر الحمراء وأنشد فيه شعرًا.
وذكر أنه مما يسترعي الأنظار من المجمِّلات المعمارية في قصر الحمراء بغرناطة عنصر الشعر، سواء كانت نصوصًا أم أبياتًا معلَّقة على جداريات الحمراء وأبهائها وقاعاتها وقبابها وأعمدتها وأبوابها وأقواسها، بل حتى في حماماتها، الشعر المنقوش في صحائف الجص والرخام.
وليس ما نُقش بخط أندلسي أو مغربي أو كوفي كان شعرًا فقط، ولكن أيضًا نقش عدد كبير من العبارات مثل: (ولا غالب إلا الله) التي كانت شعار بني نصر.
وأفرد فصل “مطالعات في داواوين شعراء الحمراء الثلاثة”، لكلٍّ من: ديوان ابن زمرك الذي عاش في عصر البناء الشامخ الباذخ، كما كان عصر التضييع وانهدام جزء واسع من حضارة الأندلس، وديوان ابن الخطيب، الكاتب والطبيب والمؤرخ والشاعر الذي نشأ في غرناطة وتعلم فيها، وهو أكثر الشعراء الثلاثة شهرة وشاعرية وإنتاجًا والمعروف بذي الوزارتين (الكتابة والوزارة)، وأخيرًا ديوان ابن الجياب، أسبق الثلاثة مولدًا وظهورًا في الزمان، والذي كان شاعرًا وكاتبًا ووزيرًا في مملكة غرناطة لستة من سلاطين بني نصر.

*نشر هذا العنوان في القافلة الأسبوعية 2015/6/11.

استعراض كتاب| الإدارة في عصر العولمة والمعرفة

الإدارة في عصر العولمة والمعرفة

الإدارة في عصر العولمة والمعرفة (د. علي السلمي)

جاء هذا الكتاب محاولةً لرصد مجموعة من المتغيرات التي أسهمت في تغيير شكل الحياة في العالم؛ سواءً في الدول المتقدمة أو النامية، ومصدر التأثير الكبير لما يسمى “العولمة”، التي مسَّت العصب الحساس في التنظيم المجتمعي وهو النظام الاقتصادي، وعصبه الأساس “الإدارة”؛ فنحن نعيش عصرًا ثنائيَّ التوجه: الأول “عولمة” أحالت العالم إلى قرية صغيرة وغيرت شكل الحياة بما ابتدعته من انفتاح وتواصُل بين الشعوب والدول؛ بفضل تقنيات الاتصالات والمعلومات، وفي قمتها شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. والتوجه الثاني تحوُّل كثير من المجتمعات الإنسانية إلى “مجتمع المعرفة”، تنهل من نتاج عقول البشر وإبداعاتهم الفكرية، ومستحدثات العلم والتقنية ما تحيل به حياة مواطنيها إلى مستويات متعالية من الرفاهة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقة. والإدارة الحقيقية هي نتاج التزاوج بين “العولمة” و”المعرفة”؛ فساعدت على انتشار العولمة وتهذيب ممارستها، كما ابتكرت الأساليب والنظم لتوظيف المعرفة المتجددة وملاحقتها بتطبيقات طورت منظمات الأعمال وكافة المنظمات والمؤسسات المجتمعية، وأسهمت بذلك في تطوير حياة الناس إلى مستويات أفضل بشكل عام.
في خمسة عشر فصلاً، قدَّم المؤلف الموضوع بدءًا من الإطار الفكري للإدارة في عصر المعرفة والعولمة؛ العولمة التي عرَّفها بأنها العملية التي تصبح معها الدول متكاملة على نحو متزايد، بسبب التقدم التكنولوجي. ومن هذه العولمة استثمرت الإدارة هذا الواقع الجديد، وأبدعت أنماطًا جديدة تقوم على (في أيِّ وقت، في أيِّ زمان، حسب الطلب، الجودة الشاملة)، وارتبطت العولمة بعدد من المنظمات وفي مقدمتها منظمة التجارة العالمية. وقد تطرق الكتاب إلى مفهوم اقتصاد المعرفة، وذكر أنَّ تلك المجتمعات ساعية لتطوير نُظم الاقتصاد فيها إلى نظام “اقتصاد المعرفة”، حيث يصبح إنتاج واستخدام المعرفة هو أساس النمو الاقتصادي وخلْق الثروة، بالإضافة إلى عوامل الإنتاج التقليدية من العمل ورأس المال والموارد الأولية والتنظيم، وتطورت المفاهيم الإدارية الجديدة المتوافقة مع العولمة ومنها: أهمية التعامل مع المناخ المحيط واعتباره عنصرًا أساسيًّا، وإدراك أهمية السوق بمعناها الواسع، وتكثيف استخدامات تقنيات الاتصالات والمعلومات، وحشْد الموارد، والانفتاح بين الأسواق، والتركيز على اقتصاديات الوقت. كما ذكر المؤلف أنَّ الاهتمامات والتوجهات الإستراتيجية للإدارة العولمية تقوم على مبدأ مُهم؛ وهو أنَّ التميز والنجاح في استثمار الفرص ومواجهة المهددات لا يتحققان بالتمني أو بالتقليد، بل بالتخطيط والإعداد في سبيل التخلص من مفاهيم وموروثات إدارية لم تَعُد تواكب العصر. وتطرق إلى إدارة التنافسية في عصر العولمة التي تتخذ في نظام الأعمال الجديدة أبعادًا مختلفة تميزها عن المنافسة التقليدية. وعرَّفها بأنها ليست مجرد التفوق على السلع والعمليات التي يمارسها المتنافسون، بل إيجاد وتنمية الفرص الجديدة من خلال تكوين رؤية مبتكرة للمستقبل، كما عرج إلى إدارة التغيير في عصر المعرفة. وذكر أنَّ تسارُع إنتاج وتداوُل وتراكُم المعرفة الإنسانية يتيح فرصًا أفضل لفهم ما يجري ويحيط بالإنسان، وأنَّ مصادر المعرفة متعددة ومتداخلة، وتتخذ سلسلة من العمليات المتكاملة تبدأ في البحث عن المعرفة؛ بغرض التعرف على الفرص والمهددات الخارجية، والموارد والمعوقات الداخلية. وفي ختام الكتاب، أفرد فصولًا لمناقشة رأس العمل الفكري الذي يتناول الموارد البشرية التي تمس الدعامة الحقيقية التي تستند إليها المنظمة الحديثة لتحقيق أهدافها، ومفاهيم ونماذج التميز والفكر الإداري في الألفية الثالثة.

*نشر هذا العنوان في القافلة الأسبوعية 2015/6/11.

استعراض كتاب|الثقافة الشعبية بين الثبات والتغيير

4048416782

الثقافة الشعبية بين الثبات والتغيير (أ.د محمد عباس ابراهيم)

تعتزُّ المجتمعاتُ بتراثها الشعبيِّ قدْر اعتزازها بالمحافظة على كياناتها واستمرارية وجودها وبقائها؛ فالتراث الشعبيُّ لأيِّ مجتمع ما هو إلّا مجموعة من العناصر الثقافية المادية والروحية لسكانه، تكونت على مدى أجيال عديدة متلاحقة، ونُقلت عبر عمليات محدَّدة للتنشئة الاجتماعية والثقافية؛ فتميزت بها المجتمعاتُ والثقافاتُ بعضها عن بعض. ويُصوِّرُ الطبُّ الشعبيُّ -كعنصر مهمٍّ من عناصر التراث الشعبيِّ- جانبًا أساسيًّا تتحدد في ضوئه العاداتُ والتقاليد والمعتقدات والممارسات، فيكشفَ لنا عن عمق الثقافة والتجربة المجتمعية، ومقدار ما أضيف اليها، وما أُهدِر منها.

يقدم الدكتور/ محمد عباس إبراهيم- أستاذ الأنثروبولوجيا- في هذا الكتاب دراسةً تهدف للكشف عن تاريخ وأبعاد وأساليب الطب الشعبيِّ التي سادت في منطقة الخليج، وخصوصًا في مجتمع الإمارات العربية المتحدة؛ باعتباره إرثًا ثقافيًّا شعبيًّا من جهة، وربْط هذا التراث الطبيِّ الشعبيِّ بروابطه ومداخله وتحليلاته العلمية والأكاديمية عن طريق منظور الأنثروبولوجيا الطبية التي تهتم به، وباعتباره فرعًا علميًّا متخصصًا بتلك الموضوعات، وتناوُلها في قالبها العلميِّ التحليليِّ من جهة أخرى.

تضمَّن الكتابُ سبعة فصول؛ ناقش الفصل الأول الثقافةَ وهويتها من حيث مفهومها واتجاهاتها، والعلاقة بين الثقافة والمجتمع، وهوية الثقافة العربية الخليجية. والقاسم المشترك بينها هو أنها عربية بدوية المنشأ –راحلة ثم استقرت- علاقاتها القَبَلية ومن ثم العائلية وطيدة، احتفظت ببعض ظواهر نشاطاتها الاقتصادية كتربية الإبل والماشية، وتعوَّدت على أنماط اقتصادية جديدة ذات جدوى اقتصادية أكبر؛ وهي التجارة، واستخراج اللؤلؤ. وجاء الفصل الثاني بعنوان (التراث الثقافيّ) حالة مجتمع الإمارات متضمنًا عرضًا لطبيعة دراسة عناصر الثقافة الشعبية ونماذجها المختلفة من الرقصات والأغاني الشعبية، مثل: فن الهابّان، وفن الليوا، وعن القهوة العربية، والغوص للبحث عن اللؤلؤ، والصيد بالصقور. أما الفصل الثالث فجاء بعنوان )المؤسسات الثقافية والإعلامية ودورها في الحفاظ على التراث( ناقش فيه دورَ المؤسسات الدينية والثقافية والتربوية والإعلامية، وما تقوم به من أدوار وظيفية في الحفاظ على التراث الشعبيِّ.

وناقش في الفصل الرابع (الثقافة التقليدية والتداوي الشعبيّ) في حالة مجتمع النوبة المصرية على أساس أنَّ الثقافة التقليدية تُعد تراثًا في عناصرها المتوارثة، وكيف تغيرت تلك العناصر الثقافية؟ وما عوامل تغيُّرها؟. كما تحدث عن الاحتفالات المجتمعية وأثرها في الجذب السياحيِّ؛ مثل: يوم شم النسيم، والموالد، والمواسم الدينية، والألعاب الشعبية. وتطرق إلى دراسة الأمثال الشعبية من الناحية الأنثروبولوجيا. وجاء الفصل الخامس بعنوان )الأنثروبولوجيا والثقافة الطبية الشعبية( تحدث عن العناصر الرئيسة لمفهوم الأنثروبولوجيا الطبية، ومجالاتها، والمفهوم الاجتماعيِّ للصحة والمرض، والتقريب بين العلوم الطبية والإنسانية. أما الفصل السادس فجاء بعنوان (الطب الشعبيُّ والعادات الشعبية) وتحدث عن الممارسات والتداوي بالأعشاب الطبية المتوفرة في بيئة الإمارات، وكيف تشكلتْ حولها ثقافة طبية شعبية في العلاج والتداوي. وجاء الفصل السابع الذي حمل عنوان (الوصفات والممارسات الطبية الشعبية في مجتمع الإمارات) ليناقش بعضَ الوصفات التي توارثتْ عبر الأجيال فيما يسمى بطبِّ “الركة” أو طبِّ العجائز، فضلًا عن الإيحاء الروحانيِّ، والتداوي عن طريق “الرُّقى” وتنمية الإرادة النفسية، والتداوي بالدجل، والأعمال السحرية، والاستغراق في الغيبيات.

*نشر هذا العنوان في مجلة القافلة الأسبوعية 2014/3/26.

استعراض كتاب|الجفاف المُناخي

505771456321

الجفاف المناخي (د.أنزر فتح الله إسماعيل)

يُعدُّ موضوعُ الجفافِ المُناخيِّ من الموضوعات ذاتِ الأهمية البالغة لدى مختلف دول العالم، ولاسيما الدول ذات النظم البيئة الهشة؛ فمن الناحية النظرية يمكن أنْ يضرب الجفافُ مختلفَ نُظم المناخ، إلّا أنَّ شدته وآثاره تتباين باختلافِ قوة النظم البيئة، وكذلك تبعًا لاختلافِ الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتقنية للمناطق التي يتهددها خطرُ الجفاف.
ويمثل الجفافُ أشدَّ الكوارث الطبيعية تأثيرًا، ويحتل المركزَ الأول من بين 31 نوعًا من الكوارث الطبيعية والتي تشمل: الأعاصيرَ المدارية والفيضانات والزلازل والبراكين وغيرها؛ فعلى سبيل المثال: بلغ عددُ المتأثرين بجفاف إقليم الساحل الأفريقيِّ في منتصف الثمانينيات 40 مليون شخص، في حين تأثر 2 مليون نتيجة الجفاف الذي أصاب جنوب أفريقيا في مطلع التسعينيات، وقد بلغت الخسائرُ الاقتصادية الناجمة في الفترة (1993-2002) 424 مليون دولار.
تناول المؤلفُ في كتابه “الجفاف المناخي” مفهومَ الجفاف Drought الذي يُعرَّف بأنه عدمُ اتزانٍ طبيعيٍّ مؤقت، ومتكرر، لا يقتصر وجودُه على إقليم مناخيٍّ محدَّد، بل يمكن أنْ يوجد في كلِّ نظم المناخ. وحدَّد أربعة أنواع رئيسة للجفاف وهي: الجفافُ المناخيُّ، الذي يمثل ظرفًا مناخيًّا مؤقتًا تقلُّ فيه كميات التساقط عن معدلها لفترة قد تقصر أو تطول حسب شدة الجفاف – والجفافُ الزراعيُّ، والذي عادةً ما يحدث نتيجة للجفاف المناخيِّ وأثر العجز الناجم عن ارتفاع معدلات التبخر على معدلات التساقط، وما ينجم عن ذلك من قصور في رطوبة التربة، وهذا يؤدي للانخفاض في إنتاجية المحاصيل- والجفاف الهيدرولوجيِّ، وهو وضعٌ ينخفض فيه منسوبُ المياه السطحية والجوفية إلى حدِّ خطير نتيجةً للعجز في التساقط- والجفاف الاقتصاديُّ، وهذا النوع من الجفاف يعتمد في تعريفه على المبدأ الاقتصاديِّ القائم على العرض والطلب؛ فإذا كان عرض الماء أقلَّ بكثير من طلبه اعتُبرت المنطقةُ في حالة جفاف. كما تناول الكتابُ قرائنَ الجفاف التي تمَّ تطويرها من قِبل عددٍ من الباحثين في مجالاتٍ مختلفة بهدف الوصول لتعريفٍ واضح للفترة الجافة؛ وذلك لوضع وصفٍ حسابيٍّ للجفاف لحسابه ومراقبته، وكذلك تحديد فترات الجفاف التي يُعد تمييزها عن الفتراتِ الرطبة من المسائل التي يصعُب تحديدُها، خاصة عند استخدام أكثر من معيار بسبب اختلاف البيئاتِ، واختلاف العناصر الداخلة فيها. كما تطرَّق المؤلفُ إلى أسباب الجفاف؛ ومنها: التغير المناخيُّ، وازدياد درجة الحرارة، ومعدلات التبخر، والتغيرات في الإشعاع الشمسيِّ، وتغيُّرات طبقاتِ الجو العليا، وانخفاض درجة حرارة المياه السطحية، وقوة وامتداد مراكز الضغط الجويِّ المرتفع.
وجاء ختامُ الكتاب بفصلٍ تحت عنوان “التنبؤ بالجفاف”، أوضح فيه أنَّ التنبؤ بالفتراتِ الجافة يُعدُّ أمرًا بالغَ الصعوبة، خاصةً المناطقَ التي تشهد ظروفُها المناخية كثيرًا من التقلبات من مكان إلى آخر ومن سنة إلى أخرى. ونظرًا لما للتنبؤ بالجفاف من أهمية كبيرة خاصة بالنسبة لمواسم الزراعة، والتخطيط لاستثمار موارد المياه؛ فقد اهتم الباحثون بإيجاد وسائل يمكِنهم من خلالها التوقعُ بما ستؤول إليه الظروفُ الجوية، ومنها مراقبة بعض النباتات مثل البيغونيا الاستوائية وغيرها، حيث يُستدل من ذبول أوراقها على توقُّع فتراتِ الجفاف. وهناك أسلوبٌ حديثٌ يقوم على التفاعل بين الظروف الجوية والمخزون الحراريِّ للمحطاتِ المدارية.

*نشر هذا العنوان في مجلة القافلة الأسبوعية 2014/8/21.

استعراض كتاب|الاحتباس الحراري: بين التخفيف والتكيف والحلول

global-warm-f

الاحتباس الحراري؛ بين التخفيف والتكيف والحلول (د. علي محمد عبدالله)

من الثابت علميًّا أنَّ تاريخَ البشرية لم يشهد مثيلًا لما نلقاه اليوم من تقلُّباتٍ مُناخية تتمثل في تصاعُد درجات الحرارة القصوى، وتغيُّر أنماط سقوط الأمطار، والأعاصير الاستوائية، وارتفاع مستوى مياه البحر… إنها حقًّا أزمنة مناخية عالمية تكتسي أبعادًا كارثية، لن يجني ثمارَها المُرَّة سوى ملايين الفقراء والمحرومين على سطح الأرض.

يتناول هذا الكتابُ مشكلةَ الاحتباس الحراريِّ لسطح كوكب الأرض أو ما يُعرف أيضًا بظاهرة (الصوبة الزجاجية)، معنيًّا بالعلاقة بين هذه الظاهرة العالمية والنشاط الإنسانيِّ في ظلِّ الدوراتِ الطبيعية. وهي مشكلةٌ عالمية وليست تختصُّ بمنطقة معينة أو تقتصر عليها. ويُعتقد أنَّ من أسباب حدوث ظاهرة الصوبة الزجاجية زيادةُ تركيز الغازات على المستوى العالميِّ؛ نتيجة الزيادة المطردة في النشاطات الإنسانية بعد الثورة الصناعية، وهي غازات تشمل: ثاني أكسيد الكربون، الميثان، أكسيد النيتروز، الأوزون، بالإضافة إلى بخار الماء.

استهلَّ مؤلفُ الكتابَ بالتعريف بعلم البيئة والنظام البيئيِّ، وتطوُّر العمران البشريِّ، وتغيرات المناخ العالميِّ، والمعاهدات الدولية التاريخية وهي: معاهدة كيوتو باليابان (1997)، ومعاهدة كوبنهاجن بالدنمارك (2009) التي تسعى لتقليص مستوى الانبعاثات الكربونية في الأجواء العالمية. وبدأ بمقدمته بالتعريف بالكرة الأرضية، وأغلفتها المتنوعة، والدورات الطبيعية التي تتداخل فيها المكوناتُ البيئية في صورة متناغمة، والدور الطارئ للنشاط الإنسانيِّ العشوائيِّ الذي أنتج مخلفاتٍ تضفي صفة التلوث. كما يعرض بعضَ الإجابات لأسئلة مهمة مثل: لماذا حدثت ظاهرة الاحتباس الحراريِّ؟ والى أيِّ مدى سيتأثر الإنسان بها؟ وما عواقب الاحتباس الحراريِّ على الأمد القريب والبعيد؟ وقد تحدث في الفصل الأول عن ظاهرة الصوبة الزجاجية والتوازن الحراريِّ، وطُرق قياس الغازاتِ، وعلاقتها مع البقع الشمسية، ونظرية ميلانكوفيتش، والبراكين، والعصور الجليدية.

وفي الفصل الثاني تطرَّق إلى أسباب ظاهرة الاحتباس الحراريِّ، وأشار إلى أنَّ هناك شبه اتفاق بين العلماء على وجود سبيين أساسيين وراء حدوث هذه الظاهرة: الأول يقوم على أساس النظرية التي تلت ارتفاع حرارة الأرض بين عامي 1975 و1998. والثاني يأتي من بياناتٍ تعود إلى آلالف السنين، وتتلخص في أنَّ الحقل المغناطسيِّ للشمس والرياح الشمسية تعدل كمية الإشعاع عالية الطاقة الكونية التي تلقيها الأرض، وأسهب في الحديث عن الغازات الحابسة ودورها. ودار الفصلُ الثالث حول تداعياتِ ظاهرة الاحتباس الحراري؛ مثل ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، وحالة الموارد المائية بالمنطقة العربية جرّاء ذلك، والتغير المناخيِّ، وصحة الإنسان، وتحدَّث عن الجفاف، والتصحر، وحرائق الغابات. وتناول الفصلُ الرابع مواضيع تغيُّر المناخ، والتنوع البيولوجيِّ، والجهود الدولية المبذولة من قِبل الاتحاد الدوليِّ للحفاظ على الطبيعة والمحمياتِ الطبيعية، والتغير المناخيِّ، وأثر تغيُّر المناخ على التراث الطبيعيِّ العالميِّ. وجاء الفصلُ الخامس بعنوان: “الموانئ والتغيرات المناخية”، تناول فيه آثارَ تغيُّر المناخ على الموانئ مثل: ارتفاع مستوى المياه، والعواصف وهطول الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة. وفي الفصل السادس تحدث عن التكيُّف والتقليل من آثار التغير المناخيِّ، واتفاقية الأمم المتحدة، وبرنامج نيروبي للتكيف. أما الفصل السابع، فقد تناول علاقةَ التكيف بالتنمية المستدامة، وتحدث فيه عن التكيف والقدرة في القطاعات مثل: موارد المياه، والنظم الأيكولوجية، والمناطق الساحلية، والطاقة الصناعية، والتأمين والخدمات المالية، وصحة الإنسان.

“الطاقة ومصادرها وتعريفها” كان عنوان الفصل الثامن، وتطرَّق فيه المؤلفُ إلى الطاقة المتجددة في المنطقة العربية. وختم المؤلف كتابه في الفصل التاسع والأخير بتقديم طرق مقترَحة لمعالجة آثار الاحتباس الحراريِّ، مثل: الفيتوبلانكتون، وتبييض الغيوم، والطحالب، ورعاية المناطق الرطبة، وتكنولوجيا النانو، والوقود الحيويِّ.

*نشر هذا العنوان في مجلة القافلة الأسبوعية 2014/4/26.

استعراض كتاب|النشر الإلكتروني، ومشروعات المكتبات العربية الرقمية العالمية

702b75b2-4b49-4443-88d3-97e895ec4e8a

النشر الإلكتروني والمكتبات العربية الرقمية العالمية (أحمد يوسف حافظ)

إنَّ العالَم اليوم يشهد ثورة متزايدة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتقنيات معالجة وتخزين وبثِّ المعلومات وتيسير الحصول عليها، وقد تمثَّل ذلك في استخدام نظُم معلومات متطورة؛ لتيسير العمل داخل المكتبات، كما تمثَّل في تطوُّر خدمات المعلومات، واعتمادها على قواعد البيانات والشبكات والإنترنت، واستخدام الحواسيب في إجراءات وخدمات المكتبات. وأصبحتْ عمليات النشر الإلكتروني واستخدام المصادر الإلكترونية من أبرز القضايا التي باتتْ تشغل بالَ العديد من المتخصصين والعاملين في مجالات المعلومات والحاسبات؛ وذلك لمعرفتهم أثر التقنيات الحديثة على المكتبات، والقيمة المضافة لها في هذا المجال.
تناوَل مُعدُّ الكتاب أحمد يوسف حافظ عبر فصول هذا الكتاب موضوعَ النشر الإلكتروني، ومشروعات الرقمنة، والمكتبات الرقمية، وأهميتها وأهدافها وأنواعها.
فتضمَّن الفصلُ الأولُ الإطارَ النظريَّ، والذي وثَّق فيه تاريخَ النشر الإلكتروني الذي يعود إلى ستينيات القرن الماضي، وكانت بدايته الحقيقة في عام 1984، عندما بدأ استخدام الحاسب الشخصي وآلة الطابعة، كما تحدَّث عن أهمية هذا البحث، وأهدافه، والدراسات السابقة التي نُشرتْ حوله باللغتيْن العربية والإنجليزية.
وفي الفصل الثاني كتب عن تعريف النشر الإلكتروني، ومقوماته ومزاياه، واستهلَّه بمقولة بيل جيتس في كتابه (المعلوماتية بعد الإنترنت: طريق المستقبل) “إنَّ الطريقَ السريع للمعلومات سوف يحوِّل ثقافتنا بالقدر ذاته من العمق واتساع المدى الذي اتسم به التحول الذي أحدثته مطبعة جوتنبرج في العصور الوسطى”، كما تحدَّث عن أشكال النشر الإلكتروني التي تتضمن: البرامج الجاهزة، والأقراص، الإمداد الإلكتروني بالوثائق، وقواعد البيانات على الخط المباشر، ومصادر المعلومات المرقمنة، وأثر النشر الإلكتروني على المكتبات، والمحتوى الرقمي.
وتناول الفصلُ الثالث التحدياتِ التي تواجه النشر الإلكتروني العربي، ومنها: الجريمة المعلوماتية، والقرصنة الفكرية، والتزوير وغيرها من الجرائم، وتحدَّث عن إشكاليات النشر الإلكتروني العربي، ومنها: ضعف البنية التحتية والعوائق الاجتماعية والاقتصادية، والحاجة إلى التشريعات والقوانين لحماية الحقوق الفكرية، وحدَّد الفروق بين النشر التقليدي والنشر الإلكتروني، والواقع المعلوماتي العربي، وسرَد أبرز أسباب الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية والعربية، ومراحل عمليات النشر الإلكتروني، والتجارب العالمية والعربية الرائدة، ومنها: مكتبة الإسكندرية، ومشروع مكتبة الملك عبدالعزيز.
وفي الفصل الرابع كتَب عن المصادر الإلكترونية وأنواعها واستخدامتها، ومزايا الدوريات الإلكترونية، ومبررات ظهور النشر الإلكتروني وانتشاره، وأنواع المصادر الإلكترونية، ومنها الدوريات الإلكترونية والكتاب الإلكتروني والبريد الإلكتروني والهيبرتكست والهيبرميديا، والوسائط المتعددة، والنشر عبر الشبكة العنكبوتية (الويب)، والبوابات الإلكترونية وأنواعها. وكان الفصل الخامس عن حقوق الملكية الفكرية، وإشكالياتها في مجال النشر الإلكتروني، تحدَّث عن تعريف الملْكية الفكرية، والخلفية التاريخية والثقافية لها، وأهمية الحماية الفكرية، وعن المصنفات الرقمية. والفصل السادس – والأخير- تناولَ النشر الإلكتروني، وإشكالية تسويق المعلومات وخدماتها، ومنها وضع خطة متكاملة للتسويق، وعوامل نجاح التسويق. وفي نهاية الكتاب، اقترح المعِدُّ توصياتٍ، منها اعتمادُ خطة عربية موحَّدة لتصنيف وفهرسة المصادر العربية، وعمل الكشافات والمستخلصات لها، والاهتمام بتفعيل دور الإنترنت في المكتبات العربية، وتنمية القدرات الإدارية، وتشجيع التعاون العلمي بين الجامعات والمراكز والمؤسسات العلمية.

*نشر هذا العنوان في مجلة القافلة الأسبوعية 2014/2/28.

استعراض كتاب|خطِّط لتقاعدك

Untitledخطط لتقاعدك (فاطمة محمد العلي)

للتقاعد ميزةٌ جمالية وإنسانية يشعر بها الإنسانُ، كما يُعرَف بأنه مرحلة الراحة، والاسترخاء والهدوء والاستمتاع، دون الدخول في سباق مع الزمن لإنجاز الأعمال. ومع الراحة يعتقد كثيرٌ من الناس أنَّ الحياة قد انتهت، وأنَّ الأضواء قد انطفأت، وأنَّ العالم أغلق أمام المتقاعد منافذَ الحياة ، وينسى المتقاعد أنَّ ميزة الراحة تمنحه فرصة إعادة اكتشاف نفسه في هدوء، بعد أنْ ظلَّ غائبًا عنها لفترة طويلة.
إنَّ مفهوم التقاعد من المفاهيم الحديثة التي أخذت بها جميعُ الدول، وقد ظهر في الأصل نتيجةَ التحول للمجتمع الصناعيِّ؛ وكان الهدفُ منه رفع الظلم والقسوة عن العمال الذين يعملون طوال حياتهم دون أيِّ ضمانات أو حقوق. ورغم عدم الاتفاق على مفهوم واحد للتقاعد إلّا أنَّ التقاعد يرتبط بالوظيفة أكثر من ارتباطه بالعمل؛ فالمتقاعد يترك الوظيفة عندما يبلغ سنًّا معينًا وليس شرطًا أنْ يكون حينها غيرَ قادر على العمل، كما يرتبط التقاعدُ بالأدوار الاجتماعية الأخرى. ويعتقد البعضُ أنَّ عملية التقاعد تُعدُّ تغيُّرًا في الدور الاجتماعيِّ للفرد؛ فالتقاعد يُحدث تغييرات أساسية في بقية الأدوار الاجتماعية، وحتى لا يشعر بقسوة التقاعد فإنَّ عليه أنْ يضع خطةً مسبقةً لفترة التقاعد.
تناولت مؤلفةُ هذا الكتاب ذي الخمسة عشر فصلًا موضوع التقاعد، وأوضحتْ في مقدمته خلفيةً عامة عن تاريخ التقاعد، والتغيرات الاجتماعية المرتبطة به. وفي الفصل الأول أوردت مصطلحاتٍ متعلقة بالموضوع؛ مثل تلك المرتبطة بالمؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. أما الفصل الثاني فقد خُصِّص للحديث عن المرأة العاملة، ونبذة عن حقوقها التقاعدية. والفصل الثالث كان عن مراحل الإنسان في الحياة وصفات كل مرحلة، وحمل الفصل الرابع عنوان “انتبه! المحطة قادمة” وتعني به مرحلة التقاعد.
بدأ الكتاب الحديث عن خطة ما بعد التقاعد في الفصل الخامس، وأسهب فيها وختمه بأفكار متنوعة. وجاءت “النصائح الذهبية” عنوانًا للفصل السادس الذي قدَّم نصائحَ صحية واقتصادية واجتماعية للمتقاعدين. وأدرجت المؤلفةُ في الفصل السابع نماذجَ من شخصيات أبدعت وتألقت في مرحلة التقاعد. وقدَّم الفصل الثامن دعوةً للاستفادة من تجارب الآخرين، وتطرقت فيه إلى بعض القصص الموجزة عن المتقاعدين الناجحين.
أما الفصلُ التاسع فقد تطرق إلى موضوع نظرة الشريعة الإسلامية إلى التقاعد. وفي الفصل العاشر استضافت عددًا من الشخصيات البارزة ذات البصمات الكبيرة في المملكة. ووضعت في الفصل الحادي عشر بعضَ الأنظمة واللوائح المهمة في هذا المجال. أما الإحصائيات فقد جاءت في الفصل الثاني عشر. وفي الفصل الثالث عشر تحدثت عن الجمعية الوطنية للمتقاعدين ودورها. وأوردت في الفصل الرابع عشر بعض القصائد المعبرة التي أنشدها متقاعدون. أما الفصل الخامس عشر والأخير فقد حمل عنوان “وسّع صدرك” وتضمن مجموعةً من رسوم الكاريكاتير عن أحوال ومطالب المتقاعدين التي ظهرت في الصحافة.

*نشر هذا العنوان في مجلة القافلة الأسبوعية 2014/5/22.

ترجمة نص| مشكلة اللغة .. تيري ولفرتون

uxmal-907-copy

مع الأسماءِ تبدأ اللغة، فهي التي تجسدها، إنها تعني باللاتينية “صنع شيء”.نعم، إننا نصنع الأشياءَ من خلال تسميتها وفصلها وتمييزها من بين الأشياء المختلطة، مع الأسماء نمنحها التميز، ومع الأسماء نؤكد أن هذه التفاحة تحديدًا متميزة عن التفاح المتبقي في الوعاء. ولكن ماذا لو كان هذا الفصل مبهمًا؟ أين تلك الكلمة التي يمكن أن تدل على التشابه الأساسي بين التفاحة والوعاء؟

إننا نمنح أنفسنا القوةَ بالأسماء، عندما أسمي نفسي فإنني أعلن أنني (لستُ أنتَ)، فنحن نحتشد داخل أسمائنا كالمنازل القاتمة في الليلة المظلمة، أو نبحث عن الآخرين المشابهين لنا. لقد اختُرِعت اللغةُ كأداة للتفرقة، وأخذت تتطور باستمرار وبتعقُّد، أما الصفاتُ فإنها تعزز أكثر ماهية الأسماء – التفاحة الحمراءُ ليست هي التفاحة الخضراء، وكلمة (فوجي) مختلفة تمامًًا عن (ماكنتوش)، والصفات تعني الخصوصية : وعائي يحوي تفاحًًا، ووعاؤك ليس كذلك. إن مخزون بضاعتي ككاتبة يقوم على غربلة المعجم بدقة عالية، ويبحث عن كلمة واحدة، تلك التي يمكن أن تصف هذا ولا يقوم مقامها كلمة أخرى، وهذا يفسر لماذا هيريجيوان كلسا معلمي الكونداليني اليوغا يفضل الموسيقى عن الأدب، فالنغمات الموسيقية لا تلتصق بالأذن؛ كل صوتٍ يفتح الكثيرَ من الاحتمالات لجميع الأصوات، يحملنا إلى الوراء، إلى أصل الصوت الكوني، فالصوت عديمُ الشكل، والموسيقى يمكن أن تستدعي حالة الدهشة، في حين أن اللغة إقصائية، هذا وليس ذلك، يمكن أن يقول الشخص إن عمل الكاتب يقع في مجال الفصل.

الأفعال باغية، دائمًًا ما تفعل، وتفعل، وتفعل. هناك الكثير من الأسماء يقوم عليها الفعل، يمكن أن أستيقظ أو أمشي أو أعمل، يمكن أن أسبح أو أتسلق أو أغضب، يمكن أن أعدَّ أو أجثو أو أقترن، يمكن أن أرفرف أو أطير أو أتعثر، يمكنني القيام بالفعل طوال الوقت. ولكن ليس هناك أسماء متنوعة للكينونة، يمكن فقط أن (أكون) أو (لا أكون) بلا اختلاف في الدقة أو تفاوت في الدرجة؛ ولهذا فإن اللغة تحدد الواقع، وعندما لا يكون هناك مفردات لا يسعنا الإحاطة بالاحتمالات، أين هذه الاحتمالات في الكينونة؟

الأفعال في اللغات الهندوأوروبية تحدد علاقتنا بالزمن، صيغة الفعل تفصل بين المضارع والماضي، وبين الماضي والمستقبل، تحاول أن تقنعنا أن هناك نمطًا زمنيًّا للأحداث، طبيعيًّا وقابلاً للتتبع، كما لو أن هناك منطقًا للقيام به، إذا قلتُ لك: (غدًا سأغضب)، فسوف تعتقد أنني مضطربٌ ذهنيًّا، ولكنني لستُ كذلك، إنه فقط الإمساك باللغة في تركيبة الوقت، ولا أستطيع أن أتخيلها خارج هذا الإطار. المفعول به اسم وقع عليه فعل الفاعل، بقوة غير متوازنة بوضوح، في جميع أنحاء العالم، الناس والأشياء مصنوعة من المفعول به التي يقوم بها الآخرون، إنني أتخيل أن بعضنا وُلد ليكون فاعلاً، والآخر مفعولاً به، أحدهم يمكن القيام بشيء لا يستطيعه الآخر! إننا جميعًا فاعلون في جملنا بصمت، ولكن ما هو قانوننا الكبير في النص الأكبر؟

يقال: إن الحال جوابٌ على أسئلة: كيف، وأين، ومتى، وبكم؟ هل عمل المفعول به بطيئًا أو سريعًا؟ في كل مكان، أو بعض الأماكن على وجه الخصوص؟ وهل يتكرر أم يحدث لمرة واحدة؟ ماذا نعرف عن هذه الأسئلة؟ وهل إجاباتها نهائية؟! ليس فقط تركيب اللغة هو المشكلة هنا، فعلى سبيل المثال في اللغات المختلفة، نجد كلمة (كرسيّ) في اللغة الإنجليزية تعزى إلى نوع من الأثاث، ولكنها بالفرنسية تعني “وميض”، وكلمة ضباب تعني “بخار الماء” في الإنجليزية ولكنها تعني “سماد” في الألمانية، وكلمة “أعلى” هي بنفس معناها في البرتغالية والإسبانية، ولكنها في الإسبانية تعني أيضًا “ظرف”، وهناك أيضا كلمات تبدو أنها ترمز إلى الثقافة الكلية: فكلمة واحدة في لغة هاواي تعني (اللقاء الجماعي، وعملية العلاج المرتبطة بطقوس الأديان، والعلاج الجماعي، ودروس الاستشارات الأسرية، وقاعة المدينة، والمحكمة الصغيرة) وهناك كلمة تايلندية تعني (إخماد العطش الروحي والعاطفي، والإحياء) أو تلك الكلمة التركية التي تعني (أنت أحد هؤلاء الأشخاص الذين لا يستطيعون الإقامة في هذه المدينة). هل يمكن لهذا السياق أن يترجم؟ كيف يمكن أن نحلم بالتواصل بهذه اللغات؟

ولكن لا يجب علينا السفرُ لمواجهة صعوبة الإحاطة، فسوء الفهم أقرب إلينا، يمكن لشخص ما أن يقول: “أنا احبك” ويعني بها: “أنا هنا من أجلك، بغض النظر عن الزمان والمكان وسوف تكون عزيزًا على نفسي”، ولكن آخر يلفظ نفس هذه الكلمات، ويمكن أن تعني “يخامرني شعورٌ يجعلني أرغب في البقاء بجانبكَ، ولكن لا أستطيع أن أقول إلى متى!” حتى قبل الولادة، فإن الأطفال مجهزون بوسائل التواصل، لإرسال واستقبال الرسائل من خلال الحركة والاستجابة الحسية دون الاستعانة بالمفردات، ملاحظة التوائم في رحم الأم أظهرت أن لديهم لغة ومن ضمنها مسك اليدين، والقبل، واللعب، وضرب بعضهم البعض.

الحيوانات أيضًا لديها وسائل اتصالات، ومن بينها الصوتية، أو بالرائحة، بالإضافة إلى حركة البدن، كما أن النحل لديه لغة عن طريق الرقص، والنظرية تقول: إن بعض أجزاء الجسم في الحيوانات تنمو لتعزز قدرتهم على حمل الرسائل. والأكثر من ذلك أن كل حركة الآن مفهومة لتحمل ليس فقط معنى محددًا، ولكن مجموعة متقنة من المعاني تقوم على السياق، مثلاً: حركة ذيل الكلب يمكن أن تعني اللعب أو الغضب أو الاسترخاء أو الإذعان . البشر فخورون بتعقُّد لغة تواصلهم، ولكن زيادة الكلمات تُستخدم ليس فقط لبناء الجسر إلى المعنى ولكن لتشكل عاصفةً من الغموض، مثل التشويش الذي يصبح ضارًًّا حتى يتوق الشخص لمساحات كبيرة من الصمت، والتبلد الذي لا ينتهي لإزالة السموم من الأذنين والعينين أو الطمع بالقدرة على أداء رقص النحل والإشارة التي نحن مكتفون منها. ومع هذا، لا تستطيع الكاتبة أن تكون صامتة، ويجب أن تعود إلى الوراء، إلى تلك الحروف القديمة والأصوات الحلقية، وتلك الإشارات المحطمة، وتشحذ العلامة المتشابكة، والمقاطع التالفة، تميِّز وتفصِل وتعزل عمر الصفحات؛ على أمل خافت أنها إذا قطعت بعمق أكبر فإنها يمكن أن تحصل على شيء ما يمكن إدراكه.

عن الكاتبة: تيري ولفرتون روائية أمريكية، وكاتبة مذكرات، وشاعرة، صدر لها العديد من الأعمال الأدبية، حصل كتابها “الحياة والفن في بناء المرأة” على لقب أفضل الكتب لعام 2002 في استطلاع صحيفة لوس أنجلوس تايمز.