استعراض كتاب|الثقافة الشعبية بين الثبات والتغيير

4048416782

الثقافة الشعبية بين الثبات والتغيير (أ.د محمد عباس ابراهيم)

تعتزُّ المجتمعاتُ بتراثها الشعبيِّ قدْر اعتزازها بالمحافظة على كياناتها واستمرارية وجودها وبقائها؛ فالتراث الشعبيُّ لأيِّ مجتمع ما هو إلّا مجموعة من العناصر الثقافية المادية والروحية لسكانه، تكونت على مدى أجيال عديدة متلاحقة، ونُقلت عبر عمليات محدَّدة للتنشئة الاجتماعية والثقافية؛ فتميزت بها المجتمعاتُ والثقافاتُ بعضها عن بعض. ويُصوِّرُ الطبُّ الشعبيُّ -كعنصر مهمٍّ من عناصر التراث الشعبيِّ- جانبًا أساسيًّا تتحدد في ضوئه العاداتُ والتقاليد والمعتقدات والممارسات، فيكشفَ لنا عن عمق الثقافة والتجربة المجتمعية، ومقدار ما أضيف اليها، وما أُهدِر منها.

يقدم الدكتور/ محمد عباس إبراهيم- أستاذ الأنثروبولوجيا- في هذا الكتاب دراسةً تهدف للكشف عن تاريخ وأبعاد وأساليب الطب الشعبيِّ التي سادت في منطقة الخليج، وخصوصًا في مجتمع الإمارات العربية المتحدة؛ باعتباره إرثًا ثقافيًّا شعبيًّا من جهة، وربْط هذا التراث الطبيِّ الشعبيِّ بروابطه ومداخله وتحليلاته العلمية والأكاديمية عن طريق منظور الأنثروبولوجيا الطبية التي تهتم به، وباعتباره فرعًا علميًّا متخصصًا بتلك الموضوعات، وتناوُلها في قالبها العلميِّ التحليليِّ من جهة أخرى.

تضمَّن الكتابُ سبعة فصول؛ ناقش الفصل الأول الثقافةَ وهويتها من حيث مفهومها واتجاهاتها، والعلاقة بين الثقافة والمجتمع، وهوية الثقافة العربية الخليجية. والقاسم المشترك بينها هو أنها عربية بدوية المنشأ –راحلة ثم استقرت- علاقاتها القَبَلية ومن ثم العائلية وطيدة، احتفظت ببعض ظواهر نشاطاتها الاقتصادية كتربية الإبل والماشية، وتعوَّدت على أنماط اقتصادية جديدة ذات جدوى اقتصادية أكبر؛ وهي التجارة، واستخراج اللؤلؤ. وجاء الفصل الثاني بعنوان (التراث الثقافيّ) حالة مجتمع الإمارات متضمنًا عرضًا لطبيعة دراسة عناصر الثقافة الشعبية ونماذجها المختلفة من الرقصات والأغاني الشعبية، مثل: فن الهابّان، وفن الليوا، وعن القهوة العربية، والغوص للبحث عن اللؤلؤ، والصيد بالصقور. أما الفصل الثالث فجاء بعنوان )المؤسسات الثقافية والإعلامية ودورها في الحفاظ على التراث( ناقش فيه دورَ المؤسسات الدينية والثقافية والتربوية والإعلامية، وما تقوم به من أدوار وظيفية في الحفاظ على التراث الشعبيِّ.

وناقش في الفصل الرابع (الثقافة التقليدية والتداوي الشعبيّ) في حالة مجتمع النوبة المصرية على أساس أنَّ الثقافة التقليدية تُعد تراثًا في عناصرها المتوارثة، وكيف تغيرت تلك العناصر الثقافية؟ وما عوامل تغيُّرها؟. كما تحدث عن الاحتفالات المجتمعية وأثرها في الجذب السياحيِّ؛ مثل: يوم شم النسيم، والموالد، والمواسم الدينية، والألعاب الشعبية. وتطرق إلى دراسة الأمثال الشعبية من الناحية الأنثروبولوجيا. وجاء الفصل الخامس بعنوان )الأنثروبولوجيا والثقافة الطبية الشعبية( تحدث عن العناصر الرئيسة لمفهوم الأنثروبولوجيا الطبية، ومجالاتها، والمفهوم الاجتماعيِّ للصحة والمرض، والتقريب بين العلوم الطبية والإنسانية. أما الفصل السادس فجاء بعنوان (الطب الشعبيُّ والعادات الشعبية) وتحدث عن الممارسات والتداوي بالأعشاب الطبية المتوفرة في بيئة الإمارات، وكيف تشكلتْ حولها ثقافة طبية شعبية في العلاج والتداوي. وجاء الفصل السابع الذي حمل عنوان (الوصفات والممارسات الطبية الشعبية في مجتمع الإمارات) ليناقش بعضَ الوصفات التي توارثتْ عبر الأجيال فيما يسمى بطبِّ “الركة” أو طبِّ العجائز، فضلًا عن الإيحاء الروحانيِّ، والتداوي عن طريق “الرُّقى” وتنمية الإرادة النفسية، والتداوي بالدجل، والأعمال السحرية، والاستغراق في الغيبيات.

*نشر هذا العنوان في مجلة القافلة الأسبوعية 2014/3/26.

أضف تعليق