استعراض كتاب|من التاريخ الثقافيّ للقهوة والمقاهي

من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي

من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي (محمد الأرناؤوط)

تتميز القهوة عن غيرها من المشروبات بتاريخ ثقافي في العالم العربي والإسلامي لايمكن أن نجد له مثيلاً في الشاي أو غيرها من المشروبات التي جاءت من موطنها الأصلي إلى هذه المنطقة، وربما كانت طبيعة المشروب والهيئة التي كان يشرب فيها وراء هذا الاختلاف الواسع في الموقف من القهوة، الذي قسم الفقهاء والأدباء خلال قرون وأدى إلى تراكم فقهي وأدبي لا يزال يستحق الدراسة، كما أدى إلى حراك اجتماعي نتيجة ظهور بيوت القهوة أو ما تسمى بالمقاهي وما صاحب ذلك من استقطابها لمظاهر جديدة مثل الغناء والموسيقى والمسرح الشعبي والحكواتي والكراكوز.

سلط المؤلف محمد الأرناؤوط في هذا الكتاب الضوء على بعض الدراسات التي نشرت خلال عشرين سنة من عام 1992 وحتى 2011 والتي تناولت القهوة والمقاهي في بلاد الشام والحجاز ومصر واليمن وموقف الفقهاء والشعراء منها، وملامح التغير الثقافي في المجتمع نتيجة لذلك، كما ضم الكتاب دراسة حول وصول القهوة إلى البوسنة وما تركت من مؤثرات هناك.

تطرقت الدراسة الأولى عن التاريخ الثقافي للقهوة في الحجاز ومصر والشام في القرن العاشر الهجري، حيث تحدثت الدراسة عن ما يعرف بواقعة مكة؛ وهي الواقعة التي حدثت في عام 911 هجرية حيث وجد من يشرب القهوة بجوار الحرم وكشفت عن حجم الارتياب في تأثير هذا المشروب الجديد على الوسط المحلي وارتباطها بمظاهر أدت إلى الخلاف بين الفقهاء ما بين محلل ومحرم لها. كما تحدثت الدراسة الثانية عن بدايات أنتشار القهوة والمقاهي في بلاد الشام الجنوبية، وعن بروز المقاهي والتي تحولت مع الزمن إلى مراكز ثقافية واجتماعية. وفي الدراسة الثالثة تطرقت إلى التاريخ الثقافي للقهوة وانتقالها من اليمن إلى البوسنة، والتي كان من أسباب وصولها انتشارها في العاصمة إستنبول، كما تحدثت عن ذكر الرحالة لها، وأنها أصبحت في البوسنة رمزاً للاحتفاء بالضيف لدى المسلمين. وفي الدراسة الرابعة كانت عن الرسالة المنسوبة للشيخ عبدالله الأكاوي “حسن الدعوة للإجابة إلى القهوة” والتي كتبها في عام 1176 هجرية ووضح فيها ما وقع بين العلماء نتيجة ظهور القهوة، وتضمت قصيدة للشيخ أبو الفتح المالكي يقول في مطلعها: يا سائلي عن قهوة البن التي / كم من فتى على هواءها ما فتي / سألت عنها وبها خبيراً / فاستمع التحقيق والتحرير/ وأعلم على طريقة الإجمال / بأنها من جملة الحلال.

الدراسة الخامسة هي رسالة المفتي في البوسنة مصطفى بن محمد الأقحصاري التي انجزها في عام 1152 هجرية بعنوان “القهوة والدخان والأشربة المحرمة” حيث استعرض الخلاف الشائع عن القهوة، وتطرق إلى الدخان باعتبار انه ظهر في وقت واحد مع القهوة في الدولة العثمانية، وغالباً ما يترافق شربهما معاً حتى أصبح احتساء القهوة مرتبط في الغالب بتدخين التبغ، وتكمن أهمية الرسالة بكشفها عن كيفية تعامل المجتمع الإسلامي المحلي مع القضايا الجديدة. والدراسة السادسة هي رسالة الشيخ حسن الأوزيجة لي الهرسكلي عن القهوة والدخان في القرن العاشر الهجري؛ وهو أحد علماء أوزيجة القرية الصغيرة في صربيا، حيث كتب الرسالة في وقت انتشر فيه شرب القهوة والدخان في البلقان.

*نشر هذا العنوان في مجلة القافلة الأسبوعية 2013/12/4.

أضف تعليق