ترجمة نص |الأصفر.. لون الخوف (ألكسندر لويس ثيرو).

yellow-wallpapers_093045444

الأصفرُ، ذلك اللونُ المثيرُ، الذي يحوي آلافَ المعاني، إنه مدهشٌ-على الأقل بالنسبة لي- وهو على رأس الألوان المفضلة لدى الأطفال.

أطلَق عليه والاس ستيفنز «اللون الأوَّلي»؛ في إشارة إلى ما يصاحبه من انحلال وتفكُّك (عندما يصفَرُّ العُشبُ الرقيقُ)، ولكنه لا يخلو من دلالات إيجابية لارتباطه بالشروق وأشعة «الشمس الذهبية المتوهجة».

إنه لونُ الخوف، وعلامة الحذَر على طريق السيارات، والأنسجة الدهنية، والكعك والعسل، والحافلات المدرسية، ولوحات السيارات المعدنية في المكسيك، والمرض، ووَجَنات طيورِ البطريق، والشعر الأشقر المميز لغير البالغين من سكان أستراليا الأصليين.

هو رمزُ الخريف، والكثير من جمال الربيع، هو رصانةُ البوقِ النحاسي القديم، والنقود المعدنية التي عفا عليها الزمن، ونبتة القيصوم، والشمس السخية.

هو لونُ الزُّبد،  والإسفنج، وضوء الشموع، والمروج الجوعى، والكهرمان. كما إنه يمثل الحكمة، والضوء، والحدَس، والسلطة، والنضج، والحبوب،  وهو في (مِصْر) لونُ السعادةِ والازدهارِ.

له العديدُ من التدرُّج اللونيِّ؛ ويُطلَق على لون الموز الناضج (كانت سيارات الأجرة الصفراء أو عربات الشاطئ المشهورة بلونها الأصفر، والمستخدَمة في المنتجعات لنقل النزلاء تُسمى «عربات الموز»). هناك اليوسفي الأصفر، وزهرة بقلة الخطاطيفِ الصفراءِ المخضرةِ، والعِنب البنيُّ المحمرُّ المصفرُّ بتدرُّج. أنه موجود إلى حدِّ ما في زيت الفلفل الحارِّ، أو لون طبق العشاء الملوَّن بعد وجبة من الكاري الهندي، أو العديد من أطباق جنوب غربِ الولايات المتحدة.

هناك الشاطئُ الطويل برماله البُنية المصفرة، وهناك لمسةٌ متميزة من الأصفر في ريشِ الطاووسِ الأخضرِ، وتقزُّح لونيٌّ خافتٌ على رقَبة الحمامة، وهو لون دوار الشمس الرائع المتراصِّ كأقراص من الذهب الزاهي. وهناك النرجس، ولُبِّ الذُّرة، ومئبر الزهرة.

الزعفران مصفرٌّ بطبقة برتقالية، لايختلفُ عن العديد من أنواع الخردل، مثل الكركم. المستوطنون في القرن التاسع عشر في المناطق الداخلية من البلاد، مثل: أوهايو، إنديانا وإلينوي، الذين بقوا في المناطق الريفية، كانوا يُسمَّون بالزي الذي اشتُهروا به؛ لأنهم يرتدون دائمًا الملابس الصوفية المصبوغة بزيت الجوز.

في واحدة من قصص مجموعة غابرييل غارثيا ماركيث «طائرة الحسناء النائمة» لاحظ الراوي -وأنا أوافقه على ذلك- أنَّ أجملَ ما في الطبيعة الوجهُ الحَسَنُ؛ إحدى التداعيات المؤثرة لهذه الفكرة في القصة الإشارةُ العابرةُ إلى اللونِ الأصفر «حول عنقِها ارتدتْ سلسلةً رقيقة جدًّا كانت بالكاد مرئيةً فوق العنق الأصفر».

يمكن للَّونِ الأصفرِ أنْ يستوعبَ الحجمَ؛ ولذا فهو لونُ الأهراماتِ، والمباني الضخمةِ، والشاحناتِ ذوات العشر عجلات، والمعداتِ الثقيلةِ، ومعداتِ حفْرِ الأرضِ، وكذلك الجرافاتُ.  والنموذج الوحيد لدار فرانكلين لسَكِّ المعادن، كم هو دقيقٌ وجميلٌ بلونه الأصفر.

تحدثتْ «إيميلي ديكنسون» أيضًا في عدة قصائد عن الأزهار الصفراء التي تراها في حياتها اليومية، والفطائر الصفراء التي تعدها. وأشارتْ عدة مرات إلى عادة أخيها الوحيد «أوستن» وهي المشي بأناقة وخفة معتمرًا قبعة مزارع ذات إطار أصفر. وفي نشوة تأثرها بعلم الألوان، قالتْ:

الطبيعةُ نادرةٌ في استخدام الأصفر/خلاف أيِّ لونٍ آخرَ/إنها تحتفظُ به للغروب/بينما تُسرفُ بالأزرق/تستخدم القرمزيَّ مثل المرأة/والأصفر الذي تقدمه/ شحيحٌ ومنتقى

مثل كلمات المُحبِّ.

قصيدة «جاك كيروك» المفضلة عندي يقول فيها:

القمر الأصفر المنخفض

فوق ضوءِ المنزل الخافتِ

الضوءُ في هالته كالذهبِ في تألقه. قارنتْ الروائية والشاعرة «ليديا ماريا تشايلد» شعاع الروح مع «الشمس الطبيعية». إننا جميعًا نغتسل بأشعة الشمس الصفراء. كتبتْ في روايتها (هوبوموك): إنها «تضيء من مصدر واحد وتضيء لنا جميعًا على حدِّ السواء».

هناك أيضًا قلبُ الحرارة الصفراء، ويُلاحَظ في اللغة الفنلندية، وبشكل غريب، أنها تحوي كلمة واحدة فقط للفعل «تشرق» (الشمس).

أشار «فاسيلي كاندينسكي» في عمله الدرامي (صوت الأصفر) عام 1912 أنَّ هناك قوة حيوية فيما يتعلق بالضوء في كل شيء، بدءًا من إرهاصات الشمسِ فوق الماء في لوحات «أوجست رينوار»، إلى بقعة الضوء في قناع «غورت» الروبوت ذي الثماني أقدام في فيلم (اليوم الذي تبقى فيه الأرض صامدة)، وماذا عن أشعة شمس أكتوبر التي تتدفق من خلال النوافذ مع اللون الفضي الخفيف، وتنذر بصقيع الشتاء المدهش العاصف!.

لقد استُخدمت كلمة «مصفرٌّ» من «فلافيا» الاسم الروماني القديم، وفي نفس الوقت هو اسم سلالة الأباطرة الرومان. ولقد بدأ الاسم كوصف؛ إذْ يعني «الأصفر الذهبي» أو «الكِتانيُّ»، وتم استخدامه لوصف الشخص ذي الشعر الأصفر القاتم أو الأصفر الغامق، والذي -وبشكل واضح- يجب أنْ يكون منتميًا للأسرة التي أعطتنا اسم فلافيا، وأكثر شخص اشتُهر بهذا الوصف كانت زوجة ماركوس أنطونيوس، التي قاتلت نيابة عنه في الحرب الأهلية، على الرغم من مداعبات كليوباترا لزوجها.

ألكسندر لويس ثيرو، روائيٌّ وشاعرٌ وناقدٌ أمريكيٌّ، وُلد عام 1939، كانت روايته “قطة داركونفيل” 1982 السببَ الأولَ في شهرته، والتي تم اختيارها من قِبَل روايات أنتوني برجس التسع والتسعين، كأفضل روايات باللغة الإنجليزية منذ عام 1939، وكذلك روايته “اختيار شخصي” عام 1984.

كما حصل على جائزة “لانان” الأدبية للرواية عام 1991، وميدالية كليفتون فيدمان للرواية عام 2002.

في كتابه “الألوان الأساسية” الصادر عام 1994، كتب المؤلف بأسلوبه البلاغي الماتع عن التاريخ الثقافي للألوان الثلاثة الأساسية: «الأزرق والأصفر والأحمر» وتوسَّع في وصفها من الناحية الفنية، والأدبية، واللغوية، والسينمائية، والجمالية، وكذلك وصَف أبعادَها الروحية، والعلمية، والطبيعية، والعاطفية.

أضف تعليق